سورة الواقعة - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الواقعة)


        


{وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً (7)}
{وَكُنتُمْ} خطاب للأمة الحاضرة والأمم السالفة تغليبًا كما ذهب إليه الكثير، وقال بعضهم: خطاب للأمة الحاضرة فقط، والظاهر إن كان أيضًا عنى صار أي وصرتم {أزواجا} أي أصنافًا {ثلاثة} وكل صنف يكون مع صنف آخر في الوجود أو في الذكر فهو زوج، قال الراغب: الزوج يكون لكل واحد من القرينين من الذكر والأنثى في الحيوانات المتزاوجة ولكل قرينين فيها، وفي غيرها كالخف والنعل، ولكل ما يقترن بآخر مماثلًا له أو مضادًا وقوله تعالى:


{فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (8) وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (9)}
{فأصحاب الميمنة مَا أصحاب الميمنة وأصحاب المشئمة مَا أصحاب المشئمة} تفصيل للأزواج الثلاثة مع الإشارة الاجمالية إلى أحوالهم قبل تفصيلها، والدائر على ألسنتهم أن أصحاب الميمنة مبتدأ، وقوله تعالى: {مَا أصحاب الميمنة} {مَا} فيه استفهامية مبتدأ ثان. و{أصحاب} خبره، والجملة خبر المبتدأ الأول والرابط الظاهر القائم مقام الضمير، وكذا يقال في قوله تعالى: {وأصحاب المشئمة} الخ، والأصل في الموضعين ما هم؟ أي أيّ شيء هم في حالهم وصفتهم فان {مَا} وإن شاعت في طلب مفهوم الاسم والحقيقة لكنها قد تطلب بها الصفة والحال كما تقول ما زيد؟ فيقال: عالم، أو طبيب فوضع الظاهر موضع الضمير لكونه أدخل في المقصود وهو التفخيم في الأول والتفظيع في الثاني، والمراد تعجيب السامع من شأن الفريقين في الفخامة والفظاعة كأنه قيل: {فأصحاب الميمنة} في غاية حسن الحال {وأصحاب المشئمة} في نهاية سوء الحال، وقيل: جملة {مَا أصحاب} خبر بتقدير القول على ما عرف في الجملة الإنشائية إذا وقعت خبرًا أي مقول في حقهم {مَا أصحاب} إلخ فلا حاجة إلى جعله من إقامة الظاهر مقام الضمير وفيه نظر، و{الميمنة} ناحية اليمين، أو اليمن والبركة، {والمشأمة} ناحية الشمال من اليد الشؤمى وهي الشمال، أو هي من الشؤم مقابل اليمن، ورجح إرادة الناحية فيهما بأنها أوفق بما يأتي في التفصيل، واختلفوا في الفريقين فقيل: أصحاب الميمنة أصحاب المنزلة السنية، وأصحاب المشأمة أصحاب المنزلة الدنية أخذًا من تيمنهم بالميامن وتشؤمهم بالشمائل كما تسمع في السانح والبارح، وهو مجاز شائع، وجوز أن يكون كناية، وقيل: الذين يؤتون صحائفهم بأيمانهم والذين يؤتونها بشمائلهم، وقيل: الذين يؤخذ بهم ذات اليمين إلى الجنة والذين يؤخذ بهم ذات الشمال إلى النار، وقيل: أصحاب اليمن وأصحاب الشؤم، فإن السعداء ميامين على أنفسهم بطاعتهم والأشقياء مشائيم على أنفسهم عاصيهم، وروى هذا عن الحسن. والربيع وقوله تعالى:


{وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10)}
{المشئمة والسابقون السابقون} هو الصنف الثالث من الأزواج الثلاثة، ولعل تأخير ذكرهم مع كونهم أسبق الأصناف وأقدمهم في الفضل ليردف ذكرهم ببيان محاسن أحوالهم على أن أيرادهم بعنوان السبق مطلقًا معرض عن إحرازهم قصب السبق من جميع الوجوه.
واختلف في تعيينهم فقيل: هم الذين سبقوا إلى الايمان والطاعة عند ظهور الحق من غير تلعثم وتوان، وروى هذا عن عكرمة. ومقاتل، وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: نزلت في حزقيل مؤمن آل فرعون. وحبيب النجار الذي ذكر في يس. وعليّ بن أبي طالب كرم الله تعالى وجهه وكل رجل منهم سابق أمته وعليّ أفضلهم، وقيل: هم الذين سبقوا في حيازة الكمالات من العلوم اليقينية ومراتب التقوى الواقعة بعد الايمان، وقيل: هم الأنبياء عليهم السلام لأنهم مقدموا أهل الأديان، وقال ابن سيرين: هم الذين صلوا إلى القبلتين كما قال تعالى: {والسابقون الاولون مِنَ المهاجرين والانصار} [التوبة: 100] وعن ابن عباس هم السابقون إلى الهجرة، وعن عليّ كرم الله تعالى وجهه هم السابقون إلى الصلوات الخمس، وأخرج أبو نعيم. والديلمي عن ابن عباس مرفوعًا أول من يهجر إلى المسجد وآخر من يخرج منه.
وأخرج عبد بن حميد: وابن المنذر عن عبادة بن أبي سودة مولى عبادة بن الصامت قال: بلغنا أنهم السابقون إلى المساجد والخروج في سبيل الله عز وجل، وعن الضحاك هم السابقون إلى الجهاد، وعن ابن جبير هم السابقون إلى التوبة وأعمال البر، وقال كعب: هم أهل القرآن، وفي البحر في الحديث: «سئل عن السابقين فقال: هم الذين إذا أعطوا الحق قبلوه وإذا سئلوه بذلوه وحكموا للناس كحكمهم لأنفسهم» وقيل: الناس ثلاثة فرجل ابتكر الخير في حداثة سنه ثم دام عليه حتى خرج من الدنيا فهذا هو السابق، ورجل ابتكر عمره بالذنب وطول الغفلة ثم تراجع بتوبته فهذا صاحب اليمين، ورجل ابتكر الشر في حداثة سنه ثم لم يزل عليه حتى خرج من الدنيا فهذا صاحب الشمال، وعن ابن كيسان أنهم المسارعون إلى كل ما دعا الله تعالى إليه ورجحه بعضهم بالعموم، وجعل ما ذكر في أكثر الأقوال من باب التمثيل، وأيًا ما كان فالشائع أن الجملة مبتدأ وخبر والمعنى {والسابقون} هم الذين اشتهرت أحوالهم وعرفت فخامتهم كقوله:
أنا أبو النجم وشعري شعري ***
وفيه من تفخيم شأنهم والإيذان بشيوع فضلهم ما لا يخفى، وقيل: متعلق السبق مخالف لمتعلق السبق الثاني أي السابقون إلى طاعة الله تعالى: {السابقون} إلى رحمته سبحانه، أو {السابقون} إلى الخير {السابقون} إلى الجنة، والتقدير الأول محكي عن صاحب المرشد.
وأنت تعلم أن الحمل مفيد بدون ذلك كما سمعت بل هو أبلغ وأنسب بالمقام وأيًا ما كان فقوله تعالى:

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8